فرص جديدة يأتي بها الإعلام الجديد للمنظمات غير الحكومية العربية

(republished)

يلعب الإعلام دورا هاما فى دعم قطاع المنظمات غير الحكومية NGOs فى العالم العربى، فهذه المنظمات فى حاجة ماسة إلى وسائل اتصال جيدة لتصل برسالتها إلى المستهدفين، ولا يقتصر نشاط هذه المنظمات على الاتصال بالمستهدفين المستفادين من خدماتها، بل تحاول هذه المنظمات التواصل على مستوى قطرى وإقليمى ودولى، فعلى هذه المنظمات الاتصال بمؤسسات الدعم المانحة والتى هى فى الغالب مؤسسات إقليمية ودولية، كذلك يتوجب عليها الاتصال بنظرائها وشركائها القطريين والإقليميين والدوليين بحثا عن فرص للتعاون وتبادل الخبرات والعمل على مستوى أوسع، وفى نفس الوقت يتعين على هذه المنظمات التواصل مع الباحثين العاملين على دراسة وتطوير هذا القطاع، ومع الإعلاميين الذين يعملون على إعلام الرأى العام بنشاط هذه المنظمات والخدمات التى تقدمها للجمهور.

لذلك فإن تعزيز قطاع المنظمات غير الحكومية لتستمر فى خدمة المجتمعات العربية يعتمد بشكل كبير على التوظيف الجيد لوسائل الاتصال بكل أنواعها: من الاتصال الشخصى Face- to- Face Communication إلى الاتصال عبر وسيط الكترونى أو كمبيوترComputer- Mediated Communication ، ويعتمد اختيار الوسيلة أو الوسائل المناسبة على عدة عوامل منها طبيعة نشاط المنظمة، وضع الإعلام فى الدولة التى تعمل بها المنظمة، والخصائص الديموغرافية للفئات المستهدفة.

تتناول هذه الورقة البحثية ثلاثة محاور، تقدم الباحثة فى المحور الأول نظرة عامة على قطاع المنظمات غير الحكومية العربية، نشأتها، تطورها، وتنوع أنشطتها، وينظر المحور الثانى إلى طبيعة العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والحكومات العربية وتأثير ذلك على علاقة هذه المنظمات بوسائل الإعلام التقليدية، وينظر المحور الثالث إلى مدى تطور وسائل الإعلام الجديدة وبخاصة الانترنت فى المنطقة العربية ويطرح سؤال أساسى وهو: إلى أى مدى تستفيد المنظمات غير الحكومية العربية من هذه الوسيلة الجديدة؟

المحور الأول: المنظمات غير الحكومية فى العالم العربى:

تعود نشأة المنظمات غير الحكومية فى العالم العربى إلى القرن التاسع عشر عندما أنشأت عدد من المنظمات (الجمعيات) المستقلة عن الحكومة لخدمة مجتمعات صغيرة، فهذه الظاهرة الاجتماعية ليست بجديدة على المجتمعات العربية أو الأوروبية فكما ذكرت د.أمانى قنديل فى كتابها "المجتمع المدنى فى العالم العربى" إن ظهور مثل هذه النوعية من المنظمات وتطورها له جذور دينية فالجمعيات المسيحية والإسلامية هى ما ميز هذا القطاع فى بداية نشأته رغم أن أنشطة هذه الجمعيات لم تقتصر على النواحى الدينية بل كانت ذات طبيعة خدمية واجتماعية فنرى هذه الجمعيات تعمل من أجل تنمية الإحساس بالمواطنة والانتماء وتكافح من أجل الاستقلال بجانب تقديمها لخدمات صحية وتعليمة واجتماعية.

وقد شهد النصف الثانى من القرن العشرين النمو الحقيقى لهذا القطاع غير الحكومى وجاء هذا النمو والتطور فى شكل زيادة ملحوظة فى عدد هذه المنظمات، وقد جاء فى تقرير لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أنه عدد المنظمات غير الحكومية ارتفع من 20 ألف منظمة فى منتصف الستينات إلى 70 ألف منظمة فى الثمانينات ثم ارتفع العدد مرة أخرى إلى 220 ألف منظمة فى عام 2001. (قنديل 2002، جاد 2003، إسماعيل 2001).

كذلك تنوعت أنشطة هذه المنظمات فبينما اقتصر نشاطها فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على الخدمات والأنشطة الخيرية والنفع العام، نراها فى الوقت الحالى تتوسع فى الأنشطة لتشمل تنمية المجتمع بشكل عام، كما نشأ جيل جديد من المنظمات التى أخذت على عاتقها قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل. (قنديل 1995- قنديل 2002).

ويمكن تفسير الزيادة الملحوظة فى عدد المنظمات غير الحكومية والتنوع فى أنشطتها إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى ظهرت فى المنطقة العربية فى النصف الثانى من القرن العشرين، والتى جاءت بها السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات العربية التى تبنتها لتواجه مشكلات اقتصادية معقدة كالتضخم وتراكم الديون، وتحت ضغوط من قبل مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولى، أخذت هذه الحكومات فى الانسحاب التدريجى من قطاعات الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية فزادت أعداد المهمشين وتفشى الفقر وارتفعت معدلات البطالة، مما خلف حاجة ماسة لقطاع بديل يحاول تقديم المساعدة -ولو بشكل محدود- لهه الفئات المهمشة من خلال منظمات غير حكومية خدمية تقدم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية مباشرة للمجتمعات الصغيرة، وكذلك منظمات غير حكومية دفاعية تعمل لصالح هذه الفئات المهمشة وتضغط على الحكومات العربية لتعديل سياساتها والاهتمام بالمهمشين وإلقاء الضوء على قضايا هامة مثل قضية عمالة الأطفال والختان وحقوق المرأة وغيرها. (قنديل 2002، جاد 2003، إسماعيل2001).

ساعد أيضا النمو السكانى السريع للشعوب العربية على نمو قطاع الجمعيات غير الحكومية، ففى الوقت الذى ينمو فيه التعداد السكانى بمعدل 2.1% سنويا لتزيد الشعوب العربية من 229 مليون نسمة عام 1991 إلى 300 مليون نسمة فى عام 2003، وكذلك   يشكل الأطفال أقل من خمسة عشر عامل ما يقارب 40% من تعداد سكان العلم العربى، يزداد الضغط على قطاع الخدمات مما يدفع المنظمات غير الحكومية إلى تركيز أنشطتها على مجالات خدمية خاصة تلك المرتبطة بالأطفال (قنديل 1995).

بالإضافة إلى ذلك كانت للكوارث السياسية والطبيعية الأثر فى نمو هذا القطاع الذى جاء ليملئ فجوات فشلت الحكومات فى ملئها وقت الأزمات ومنها الحرب الأهلية اللبنانية- الصراع العربى الاسرائيلى- الحرب العراقية والمجاعة فى جنوب السودان وغيرها. (قنديل 1995).

المحور الثانى: المنظمات غير الحكومية والإعلام التقليدى:

يقسم البنك الدولى-وهو منظمة دولية مانحة- المنظمات الغير الحكومية إلى نوعين: منظمات خدمية [Operational NGOs] ومنظمات دفاعية [Advocacy NGOs] وذلك تبعاً لطبيعة نشاطها، فالمنظمات الخدمية – كما يعرفها البنك الدولى- هى منظمات غير حكومية تعمل على خلق وتنفيذ برامج ومشروعات تهدف إلى خدمة وتنمية المجتمع، بينما يعرف المنظمات الدفاعية أنها منظمات غير حكومية تعمل على الدفاع عن أو الترويج لقضية ما تخص فئة معينة أو المجتمع الذى تخدمه وذلك من خلال التأثير على صانعى القرارات ومنفذيها والضغط على الحكومات لتعديل سياستها أو قوانينها بما يساند قضية المنظمة ومصلحة المستفيدين من أنشطتها، ومن الملاحظ أن المنظمات الخدمية تتمتع عادة بعلاقة طيبة مع الحكومات وتعمل بالتنسيق معها وذلك لتسهيل تقديم وتنفيذ خدماتها للمستفيدين، بينما لا تتمتع المنظمات الدفاعية بهذه الميزة، فطبيعة عملها تفرض عليها الضغط على الحكومات وصانعى القرار لتعديل أو تغيير سياستها تجاه قضايا تهم هذه المنظمات مثل منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل.

وفى ظل وجود إعلام حكومى أو شبه حكومى فى بلداننا العربية، انتقلت تلك العلاقات الهادئة نسبياً – كما هو الحال مع المنظمات غير الحكومية الخدمية- وكذلك العلاقات المتوترة- كما هو الحال مع المنظمات غير الحكومية الدفاعية – إلى الساحة الإعلامية تاركة الكثير من المنظمات فى حالة شبه عجز إعلامى؛ فالمنظمات غير الحكومية الخدمية تحاول جاهدة" التعاون مع وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية للوصول إلى المستفيدين من خدماتها، فى الوقت الذى تعانى فيه المنظمات غير الحكومية الدفاعية من إنكار شبه تام من قبل الإعلام الحكومى وشبه الحكومى.

وفى الوقت الذى تلجأ فيه المنظمات الخدمية إلى وسائل اتصال أخرى تتناسب مع طبيعة خدماتها وجمهورها مثل الاتصال الشخص المباشر Face-to-Face communication أو عن طريق قادة الرأى Opinion Leaders  كما هو الحالى فى المجتمعات القروية والبدوية الصغيرة، لا تجد المنظمات الدفاعية بديلاً غير اللجوء إلى وسائل الإعلام الأجنبية لإيصال صوتها إلى صانعى القرار فى بلادها أو للضغط –فى بعض الأحيان- على الحكومات، وفى أفضل الظروف قد تلجأ هذه المنظمات إلى الإعلام المعارض فى الداخل أو الخارج إن وجد.

المحور الثالث: المنظمات غير الحكومية والإعلام الجديد:

بينما تميل العلاقة بين المنظمات غير الحكومية العربية ووسائل الإعلام التقليدية الحكومية وشبه الحكومية إلى الإضطراب، لم تتردد تلك المنظمات فى التحول إلى وسائل اتصال جديدة والى التواجد على شبكة الإنترنت بشكل نشط، وقد يرى البعض أن تواجد المنظمات غير الحكومية فى الدول النامية ومنها الدول العربية على شبكة الإنترنت ليس بقرار واقعى فى ظل وجود نسبة أمية تتراوح بين 40% - 50% بين البالغين العرب وما يقارب 40% تحت سن الخامسة عشر إضافة" إلى تفشى الأمية الإلكترونية (Computer illiteracy)، مما يضع تلك المنظمات أمام خيارات إعلامية محدودة للغاية؛ فالوصول إلى جمهور أمى لا يجيد القراءة والكتابة يتطلب وسائل اتصال وإعلام تقليدية تنحصر فى الإذاعة والتلفاز.

ولكن يبدو أن هذا القرار الإيجابى من قبل المنظمات غير الحكومية يعكس بعض التفاؤل فإن لم تستطع هذه المنظمات الانتفاع الكامل والتام بإمكانيات شبكة الإنترنت فى الوقت الحالى، سيكون لهم ذلك فى المستقبل فأعداد مستخدمى الإنترنت فى المنظمة العربية فى تزايد مستمر، فقد ارتفعت نسبة المستخدمين بنسبة 390% ما بين عامي 2000 و 2005.

ونرى الآن العديد من المنظمات غير الحكومية العربية تلجأ إلى الإنترنت كوسيلة اتصال وإعلام بديلة تغنيهم عن مشكلات الإعلام التقليدى، وتتفاوت درجة تواجد هذه المنظمات على شبكة الإنترنت ما بين مجرد مستخدم للشبكة إلى منتج لمواد إعلامية الكترونية تعرض على مواقع شبكية.. فهناك منظمات غير حكومية تكتفى باستخدام بعض إمكانيات الشبكة وبخاصة البريد الإلكترونى للتواصل مع المستفيدين من خدماتها والجهات الشريكة والمانحة وكذلك لإرسال نشراتها الإلكترونية.

وهناك عدد آخر من المنظمات فضل التواجد بشكل كامل من خلال إنشاء مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت تستخدمها ليس فقط كوسيلة إعلام عن أنشطة وخدمات المنظمة بل أيضاً للتواصل مع كافة الأطراف المعنية لتحل بذلك محل وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة لسيطرة الحكومة الكاملة أو الجزئية، ولتحل محل وسائل الاتصال الدولية المكلفة اقتصادياً والتى كانت تلجأ إليها المنظمات غير الحكومية للتواصل مع شركائها الدوليين.

هذا وقد ساعدت شبكة الإنترنت على ظهور نوع جديد من التجمعات الإلكترونية للمنظمات غير الحكومية العربية فيما يعرف بـ : Arab NGOs Networks، ومن أمثلة هذه التجمعات  www.bunian.com  ، www.arabwomenconnect.org  ،www.annd.org    www.shabakaegypt.org وغيرها من مواقع الشبكات والجمعيات.

 ومع نمو المنظمات والتجمعات غير الحكومية على شبكة الإنترنت ساعد ذلك على زيادة فى أنشطتها الإعلامية و فتح قنوات اتصال جديدة مع جهات دولية خاصة تلك التى تقدم المعونة لهذه المنظمات و التى تأتى فى صورة مساعدات فنية وتقنية، وكذلك فى صورة منح مخصصة لدعم المشروعات المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة.

 

يمنى كامل

Abdel-Razeq, Hussein ‘Human Rights and the Numbers Game’, Al-Ahram, http://weekly.ahram.org.eg/1999/413/op2.htm, 21-28 July, 1999

Florini, Ana M. (Editor) The Third Force: the Rise of Transnational Civil Society, Japan Center for International Exchange, Tokyo, 2000

Hassan, Bahey El Din, ‘Background Paper, and The First International Conference of the Arab Human Rights Movement: Prospects for the Future’, Casablanca, April 23-25, 1999

Human Rights Watch, ‘Internet in the Middle East and North African’, www.hrw.org/advocacy/internet/mena/intro.htm, 2004

Ismail, Tareq, ‘Middle East Politics Today- Government and Civil Society’, University Press of Florida, Chapter 3- pp.72-73, 2001

Jad, Islah, ‘Gender Myths and Feminist Fables: Repositioning Gender in Development Policy and Practice’, Institute of Development Studies, University of Sussex, 2-4 July 2003

Kanaan, Nimat, ‘Volunteering and the Relationship Between the Public Sector and NGOs’ International Symposium on Volunteering (ISV), Geneva, November 2001

Kandil, Amany, ‘The Third Sector in the Arab World’, World Assembly Edition- World Alliance for Citizens Participation (Civicus), Washington, 1995 

Kandil, Amany, ‘Civil Society’, Al-Ahram Center for Political and Strategic Studies, Cairo, 2002, pp. 91-119

Metha, Ajay & Scott, Michael, ‘Partners in Development Program II’, Civil Society Organizations and Participation Program,

 Moghadam, Valantine, ‘Structural Change and Women’s Mobilization’, Ibn Khaldun Center for Development Studies, www.ibnkhaldun.org, 1998

 Nefissa, Sarah Ben, ‘NGOs, Governance and Development in the Arab World’, Management of Social Transformation, MOST, www.unesco.org/most/nefissa.htm, April 3, 2001 Volume 4, Number 15

New Women Research Centre, ‘Arab Women Movement’, Dar Al Mostakbal Al Arabi, Cairo, 1995  

Shteiwi, Musa ‘Arab Women, the Internet and Public Space’, www.qantara.de, 2003

The House of World Cultures, ‘Women’s Movement and Civil Society in the Arab World’, www.kreisky.org/kreiskyforum/lib/show_pdf, 2003 

The Program on Governance in the Arab Region, POGAR, ‘Civil Society in the Arab Region’, UNDP (www.pogar.org)

The Egyptian Organization for Human Rights, ‘Nothing New but Restrictions’, www.eohr.org/REPPORT/2002/ngos_reg.htm, 2002

The World Bank, ‘Categorizing NGOs’, www.worldbank.org, 2001

The United Nations Online Network in Public Administration and Finance, ‘The United Arab Emirates’ www.UNPAN1.un.org, 1999

U.S. Department of State, the Bureau of Democracy, Human Rights and Labor, ‘Country Reports on Human Rights- 2002’, www.state.gov, 2002.

 United Nations Environment Program, ‘UNEP Global Environment Outlook 2000’, www1.unep.or/geo-text/0106.htm, 1999